--------------------------------------------------------------------------------
تفسير سورة التكاثر
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فيقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:1-8]. في هذه السورة العظيمة يحذر الله عباده من الاشتغال بالتكاثر حتى يهجم عليهم الأجل، وحتى يزوروا القبور على غفلة، أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]، تحذير من هذا الأمر العظيم الذي يقع فيه الأكثرون، وهو الالتهاء والاشتغال بالتكاثر في الأموال والأولاد حتى تهجم المنايا، وحتى تنقل الأجساد إلى القبور، ينبغي للعاقل أن ينتبه لهذا، الموت لا بد منه، ولا بد من زيارة القبور شئت أم أبيت، كما زارها من قبلك، ونقل إليها من قبلك، فيجب عليك أن تعد العدة قبل أن تنزل المنية. ثم يقول سبحانه بعد هذا : كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر:3-4] وعيد لهؤلاء، أي: سوف يعلمون مغبة تفريطهم، ومغبة اشتغالهم عن الآخرة والإعداد لها. ثم قال: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [التكاثر:5] لو تعلمون علم اليقين، وما وراءكم من الأهوال والأخطار والعقوبات الوخيمة لمن شغل بالدنيا عن الآخرة؛ لما فعلتم هذا الأمر، ولما شغلتم بالتكاثر عن الإعداد للآخرة، ولكن جهل الأكثرين بالله، وجهلهم بالعاقبة، وجهلهم بالأخطار العظيمة، هو الذي جرأهم على الاشتغال بالأموال، والتكاثر في الأموال والأولاد عن الإعداد للآخرة، فالأمر عظيم وخطير. ثم يقول بعد هذا: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [التكاثر:6]، الجحيم لا بد أن تراها، يوم القيامة تبرز للناس وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91] لابد أن تبرز، وقد جاء في الحديث الصحيح أنها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام بسبعين ألف ملك، يجرونها لإبرازها للناس -نسأل الله السلامة والعافية- وأمرها خطير ولا حول ولا قوة إلا بالله! فينبغي للمؤمن أن يتذكر هذا اليوم وأن يعد له عدته. ثم يقول: ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [التكاثر:7] مشاهدة بالعين، يشاهدها الإنسان بعينه يوم القيامة. ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8] عن نعيم الدنيا، من المآكل والمشارب والمناكح والمراكب وغير ذلك، وما أعطى الله العبد في هذه الدنيا من أنواع النعيم، سوف يسأل يوم القيامة هل أدى حقها؟ هل شكرها أم ضيعها وفرط وتساهل؟ هذا الأمر يوجب للمؤمن الانتباه واليقظة. يقول سبحانه في هذا: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] يبين أنها زيارة للمقابر وليست مقراً، وبعض الناس يقول: انتقل إلى مقره الأخير، ليس هذا مقره الأخير، إنما هو مقر عارض ينقل منه إلى يوم القيامة، هذا القبر ليس مقراً أخيراً؛ إنما هو زيارة ثم ينتقل من هذه الزيارة إلى المحشر إلى يوم القيامة بين يدي الله، ثم ينقل إما إلى الجنة وإما إلى النار، فالمقر الأخير الجنة أو النار. أما القبر فهو برزخ، منزلة من المنازل يزورها الإنسان بعد الموت، ثم ينقل منها إما إلى نار وإما إلى نعيم. فينبغي للعاقل أن ينتبه لهذه الزيارة، فهي زيارة خطيرة، إما أن تكون زيارة إلى روضة من رياض الجنة، أو إلى حفرة من حفر النار، ثم بعده ما هو أشد منه، فينبغي أن يكون على بال العاقل، وأن ينتبه لهذا الأمر ولهذه الزيارة بعد التشاغل والتكاثر بالأموال والأولاد، وأنها زيارة خطيرة لمن زار هذه القبور: هل يزورها بعمل صالح وتقوى لله أو بتفريط وإضاعة ولهو وتشاغل عما خلق له من طاعة الله وعبادته؟ رزق الله الجميع التوفيق والإعداد، وهدانا وإياكم إلى صراطه المستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ولا حول ولا قوة إلا